عمر البرغوثي** (نقلا عن موقع مجتمعي)
“الوقوف” مع شعبنا في غزة
أمام مشاهد التقتيل والتدمير الهمجي، الممنهج والمدروس سلفاً، الذي تمارسه قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد 1.7 مليون فلسطيني وفلسطينية في قطاع غزة المحاصر والمعذّب والمقاوم، يتردد في أذهان كل صاحب ضمير منا السؤال التالي: “كيف أقف مع شعبنا في غزة في هذه الأوضاع؟” لا يوجد رد واحد، ولكن بالتأكيد يوجد رد مناسب لكل الإجابات: “الوقوف” مع غزة لا يمكن أن يكون بـ”الجلوس” أمام التلفاز! فـ”مشاهدة” المقاومة و”الشعور مع” ضحايا العدوان لا يرقيان لمستوى المقاومة ولا حتى دعم صمود شعبنا. لا بد من قول وفعل مقاوم، بشتى الوسائل الممكنة والمبدعة والمؤثرة، لنخفف الضغط على أهلنا من خلال رفع الضغط على الطغاة.
أم العبد و”دروس” المقاومة
جدتي الراحلة، أم العبد البرغوثي، علمتني المقاومة قبل عقود دون دروس ولا تنظير. كانت حقاً جدة … عندما كنا في طفولتنا نزور رام الله في العطلة الصيفية، قادمين من أرجاء الأرض، من شتاتنا الإجباري، كنا نعيش فلسطين معها لأسابيع. فمن الزعتر الطازج والنعناع البلدي والتفاح المعطر الذي تلقطه من شجرتها المفضلة، والمقدوس ومربى المشمش المخزون بعناية، وأطباقها الشهيرة، ونظافة كل شيء في دارها، وصورة جمال عبد الناصر التي تطل بشموخ على كل من يدخل البيت، إلى أحاديث السجون والمظاهرات وأسر الشهداء إلى الأنشطة الفنية … إلى أسرار النضال غير المباح مجرد التفكير فيها خارج منزلها، خلف حدود واحتها العجيبة، بكل هذا وذاك جعلتنا نعي وندرك فلسطين. علمتنا أن وجودنا كمضطهدين يحتم علينا أن نقاوم كي ننتصر. علمتنا الكثير دون أن تتكلم، بالنموذج، بالحنكة وبعقل وذاكرة وروح مفعمة بالوطن وبالعروبة وبصفد وطبريا والفقراء والمعتقلين والمناضلين. رغم كل تضحياتها وعطائها النضالي الخصب في شتى المجالات، من العمل السرّي إلى الخيريّ والمعنويّ، لم تنظر يوماً لنفسها كمناضلة، بل فقط كفلسطينية تقوم بواجبها في “دعم” المقاومة. لم تعِ حقيقة أنها هي والكثيرات والكثيرين مثلها كانوا هم أنفسهم مقاومين.
تعلّمْت من جدتي أن المقاومة، ببساطة، هي ليست فقط ما تقوم به نخبة فدائية مستعدة للتضحية بأغلى ما تملك من أجل الحرية والعدالة؛ بل هي أيضاً كل فعل نضالي ضد الذل والاضطهاد يسهم في استعادة حقوقنا وكرامتنا وأرضنا. إذا حصرنا المقاومة في العمل الفدائيّ وحسب، وهو بلا شك أعلى أشكال المقاومة تضحيةً، نعلن عملياً تقاعس الغالبية الساحقة منا عن القيام بأيّ فعل مقاوم. لذلك لا بد أن نعرّف المقاومة بشكل يحفزنا على أن نقاوم بفاعلية ومثابرة ورؤية، كل في موقعه/ا وبإمكانياته/ا، لا أن نختصرها في أفعال بطولية لآخرين نشاهدهم على الشاشات أو نمجدهم على صفحات التواصل الاجتماعي وحسب. إقرأ المزيد