تقرير جديد حول إرشادات الإتحاد الأوروبي: مقاطعة المُستوطنات؟ ليس تمامًا

“من يربح من الاحتلال” – WhoProfits.org 27-08-2013

بعكس التّقارير المُشوّشة في الإعلام، فإنّ الإرشادات الجديدة للاتّحاد الأوروبّي لا تعني مقاطعة المُستوطنات، إضافة إلى أنّها تعكس إدراكًا مغلوطًا بموجبه هنالك منظومتين اقتصاديّتين منفصلتين قائمتين بين جهّتي حدود الـ1967. مع ذلك – فالأمر بمثابة سابقة.

باللغة الإنجليزيةباللغة العبرية

بموجب الخطوط العريضة الجديدة التي قام الاتّحاد الأوروبّي بنشرها مؤخّرًا، لن يكون في إمكان الهيئات المختلفة في الاتّحاد أن تُموّل الشّركات التّجاريّة، أو الهيئات العامّة أو الجمعيّات التي تعمل داخل المُستوطنات، كما ولن تستطيع أن تمنحها الجوائز أو المنح. لكن ما معنى هذه الخطوط العريضة، بالضّبط؟

في الأسبوع المُنصرم، ثارت الصّحافة في إسرائيل والعالم في أعقاب هذه الإرشادات الجديدة، ورسمت العديد من التّقارير صورة توحي بأنّ هيئات الاتّحاد سوف تكفّ عن تمويل المنظّمات والهيئات العامّة والتّجاريّة المتورّطة بشكل مباشر في المُستوطنات المُقامة على الأراضي الفلسطينيّة والسّورية المُحتلّة، خارج حدود الـ67. في الواقع، فإنّ الحديث هنا لا يدور حول إرشادات مُلزمة، إنّما حول خطوط عريضة مُوجِّهة فحسب، لا تتعدّى كونها توصيات. لا تُلزم هذه الخطوط العريضة سوى الهيئات الفاعلة بشكل مباشر نيابة عن الاتّحاد الأوروبّي، ولا تلزم كلّ واحدة من الدّول العضوة على انفراد بتبنّيها. مع ذلك، وبموجب التوصيات، فإنّ العديد من المؤسّسات الأكاديميّة الإسرائيليّة، إضافة إلى تلك الحكوميّة والشّركات الإسرائيليّة والدّوليّة، قد لا تحصل على منح من الاتّحاد الأوروبّي طالما تستمرّ هذه الجهات في نشاطاتها في الأراضي المُحتلّة.

يُفترض أن تكون شركة أهافا إحدى المُتضرّرات بصورة مباشرة وأساسيّة من هذه التّوصيات. إنّ مصنعَ شركة مُستحضرات التّجميل هذه مقام في المناطق المُحتلّة في البحر الميّت، حيث تُنتج الشّركة منتوجاتها من الطّين الذي تستخرجه في هذه المناطق. تشارك الشّركة كلّ عام في عدّة مشاريع أبحاث يموّلها الاتّحاد الأوروبّي. في هذه الحالة، كما في حالات عديدة أخرى، ورغم أنّ عنوان الشّركة المُسجّل هو في قرية مطار بن غوريون، فإنّ موقع الإنتاج الوحيد للشّركة موجود في مُستوطنة ميتسبيه شاليم (أكبر دليل على ذلك هو مركز الزّوّار الضّخم الذي أقامته الشّركة على مقربة من المصنع). لكنّ التوصيات الجديدة للاتّحاد الأوروبّي تحتوي على ثغرات بيروقراطيّة قد تسمح لهيئات إسرائيليّة ولشركات مثل أهافا بالتّملّص من التّبعات بسهولة. على سبيل المثال، تستطيع شركة ما أن تُسجّل عنوانها داخل حدود الـ67، وأن تستمرّ في تشغيل مصانع إنتاج في الجهة الأخرى من الخطّ الأخضر. إنّ الأمر الوحيد الذي من الممكن أن يدين هذه الشّركة هو الشّرط الذي وضعه الاتّحاد بإصدار بيان رسميّ يقضي بأنّها لا تعمل في المناطق المُحتلّة، لكنّ حتّى هذا البيان لا يتطرّق إلّا لنشاط الشّركة في إطار البحث المُعيّن الذي يتمّ إعطاء المنحة مقابله. على أيّ حال، فإنّ انعدام الشّفافيّة هو إحدى الوسائل المعروفة التي تستخدمها الشّركات بهدف إخفاء نشاطاتها بشكل عام، ونشاطاتها في المناطق المُحتلّة بشكل خاص.

تعرّف الخطوط العريضة التي وضعها الاتّحاد النّشاطات خارج الخطّ الأخضر بمفهومها الضّيق، فهي لا تتطرّق إلى تزويد المُستوطنات بالخدمات ولا حتّى إلى التّمويل، بل تتطرّق فقط إلى النّشاطات المباشرة داخل المناطق المُحتلّة؛ إضافة إلى ذلك، فلم يتم تعريف هذه النّشاطات بواسطة معايير واضحة، بحيث يُشتقّ التّعامل معها من تحليلٍ للاقتصاد الإسرائيلي يبعد كلّ البعد عن الواقع. إنّ حصّة الأسد من الاقتصاد الإسرائيلي مرتبطة بشكل أو بآخر بالنّشاطات تجاريّة في المناطق المُحتلّة، كالمصارف على سبيل المثال. تقوم المصارف الإسرائيليّة بتمويل مشاريع بناء وبنى تحتيّة خارج الخطّ الأخضر وتمنح المُستوطنين تمويلًا على شكل رهان عقاريّة وقروض للسّلطات المحلّيّة في الضّفّة الغربيّة. علاوة على ذلك، فلغالبيّة المصارف توجد فروع في المُستوطنات. وحتّى إذا أغلقت المصارف فروعها في المُستوطنات في أحد الأيّام، ألن تكون متورّطة بشكل مباشر في المناطق المُحتلّة؟ أليس التّمويل والقروض الماليّة بمثابة دعم للاحتلال غير القانوني للضّفّة الغربيّة؟

كيف تتمّ إعادة رسم الخطّ الأخضر من جديد؟ أيّ نوع من الرّوابط سوف يعرّفها الاتّحاد على أنّها نشاطات داخل المستوطنات؟ هل تُدرج العقود طويلة الأمد ضمن هذه الفئة؟ أو نسب مئويّة من ملكيّة عقارات معيّنة؟ وماذا بصدد الشّركات الأم والشّركات التّابعة؟ لقد نصبت شركة “سلكوم”، على سبيل المثال، مئات الأعمدة الهوائيّة وأجهزة البنى التّحتيّة الخلويّة في جميع أنحاء الضّفّة الغربيّة – حتّى أنّها تشغّل فروع في أريئيل، موديعين عيليت، بيتار عيليت وفي حارات القدس الشّرقيّة. في هذه الحال، هل تُعتبر مجموعة  IDBالتي بحوزتها استثمارات في “سلكوم يسرائيل” (من خلال “ديسكونت للاستثمارات”)، مجموعة متورّطة بشكل مباشر في المناطق المُحتلّة بسبب نشاطات الشّركة التّابعة لها؟

بعكس التّقارير المُتخبّطة التي ظهرت في وسائل الإعلام، فإنّ توصيات الاتّحاد ليست بمثابة مقاطعة للمُستوطنات. في الواقع، تُلزم هذه التّوصيات جميع الهيئات العاملة داخل إسرائيل وخارج حدود الـ67 بالتّمييز بين المُستوطنات وبين إسرائيل، مع أنّ هذا التّمييز لا يتلاءم والمنظومة الاقتصاديّة التي نشأت في إسرائيل – فلسطين. لذا، إضافة إلى أنّها لا تحمل في طيّاتها تأثيرًا كبيرًا على اقتصاد الاحتلال، فقد تمنح هذه التّوصيات الشّرعيّة لنشاطات تجاريّة يُزعم أنّها تجري داخل مناطق الـ48، في حين أنّها تجني أرباحًا طائلة مصدرها الاحتلال. إنّ المنطق الذي تستند إليه توصيات الاتّحاد الأوروبّي يعكس إدراكًا للواقع يوحي بوجود منظومتين اقتصاديّتين منفصلتين هنا، وهي فكرة لا أساس لها في الواقع.

على ما يبدو، فإنّ الاتّحاد الأوروبّي في خضمّ بلورة سياسةٍ بخصوص اقتصاد الاحتلال، بحيث تشكّل الإرشادات الحاليّة التي وضعها الاتّحاد جزءًا منها فحسب. في المُستقبل القريب، من المُتوقّع أن تُصدر إرشادات بخصوص وسم منتوجات المستوطنات. عدا عن الأهمّيّة الرّمزيّة لهذه الخطوة ذات الأصداء الرّحبة، فإنّ تطبيق هذه الإرشادات سوف يتطلّب على ما يبدو جهودًا إداريّة هائلة. لم يُحدّد الاتّحاد أيّ عقوبات قد تُفرض على الشّركات التي تصدر بيانات كاذبة بخصوص نشاطاتها في المناطق المُحتلّه، ولم يذكر حتّى وجود مثل هذه العقوبات. لقد أثبتت الشّركات التي تعمل في المستوطنات من قبل قدرتها على التّملّص من الأنظمة، كما حدث في قضيّة الضّرائب في إطار الاتّفاقيّات التّجاريّة بين إسرائيل والاتّحاد، عندما قامت الحكومة الإسرائيليّة بتعويض المُستوطنات جرّاء استثنائهنّ من الاتّفاقيّات التّجاريّة وبدفع الثّمن بنفسها عندما اضطرّت هذه الشّركات إلى أن تدفع الضّرائب. بشكل مماثل، من المتوقّع أن تجد حكومة إسرائيل في الحالة التي أمامنا الطّريقة المناسبة لتفريغ توصيات الاتّحاد من مضمونها أو لإبطال مفعولها كلّيًّا مستخدمة وسائل دبلوماسيّة.

رغم ذلك، فإنّ هذه التّوصيات غير المسبوقة للاتّحاد الأوروبّي هي بمثابة اتّخاذ موقف معارض لشرعيّة المُستوطنات الإسرائيليّة خارج حدود الـ67. بالإضافة، فإنّ هذه الإرشادات هي ثمرة الضّغوطات الكثيفة والمتواصلة التي مارسنَها النّاشطات والنّاشطون والحركات السّياسيّة، وهي خير دليل على أنّ النّضال ضدّ الاحتلال يستطيع فعلًا أن يُحدث تغييرًا حتّى على الصّعيد الدّوليّ. حاليًّا، لا يتعدّى نطاق تأثير هذه الإرشادات مجالَ الرّأي العام، لكن في حال استمرّ الاتّحاد الأوروبي بنفس الطّريق وقام بصقل معايير التّورّط في الاحتلال وبتنفيذ التّوصيات بحذافيرها فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى فرصة حقيقيّة تُطالَب فيها الشّركات الإسرائيليّة لأوّل مرّة بدراسة مسألة ربحيّة أو عدم ربحيّة استمرار نشاطاتها في المناطق المُحتلّة.

المؤلّفات هنّ جزء من طاقم مشروع “من يربح من الاحتلال”

Facebook:
Facebook.com/WhoProfits
Twitter:

@Who_Profits
Website:
Whoprofits.org

أضف تعليق